عرق معدّي هو علامة تجاريّة جديدة للمشروب الروحيّ ولكن تاريخه يعود إلى آلاف السنين.

على مدى آلاف السنين سعى الكيميائيّون في اليونان وروما إلى زيادة المستوى الطبيعي للكحول في النبيذ والبيرة والّتي أنتجوها بالفعل بكثرة.

حاولوا القيام بذلك من خلال التقطير وهي عمليّة فصل مكوّنات السائل عن طريق الغليان والتكثيف ومع ذلك لم ينجح أيّ منها ومن المحتمل جدًا أنّ العديد أصيبوا بالعمى أو ماتوا خلال محاولتهم بسبب تسمّم الميثانول.

بحلول القرن الخامس كانت أوروبا الغربيّة في منتصف العصور المظلمة عندما تمّ التقدّم العلميّ البسيط. أكمل العرب ما بدأه الإغريق والرومان بتقديم مساهمات كبيرة في الكيمياء من بين تخصّصات أخرى.

بعد 400 عام تقريباً، أسّس الأكاديميّ العربيّ المسلم جابر بن حيّان – المعترف به في يومنا هذا كمبتكر لعلم الجبر وأبو الكيمياء – مبادئ تصنيف المواد السائلة حسب خصائصها واخترع المعدّات والتقنيّات لعزلها.

كان أحد الاختراعات العديدة لحيّان هو وعاء الإنبيق (آلة التقطير) الذي استخدمه لتقطير سوائل مختلفة. خلال التجربة لتحسين إنتاج الكحل قام بتقطير النبيذ الذي اكتشف أنّه أدّى إلى كحول صافية وقويّة للغاية.

مخطوط عربيّ في المكتبة البريطانيّة يصوّر عمليّة التقطير

في ذلك الوقت كان الإسلام يحظّر على المسكّرات لذلك لم يكن حيّان مهتمًا بالكحول التي تفوق قيمتها الأكاديميّة. وهكذا خلّص إلى أنّه “قليل الفائدة لكنه ذو أهميّة كبيرة للعلم”.

لم يشعر الجميع بالمثل. في الواقع بدأ العديد من عرب الشام وبلاد ما بين النهرين يستهلكون الكحول من أجل الاستمتاع. كتب أبو نوّاس وهو شاعر عربيّ من القرن التاسع أنّه وجد مصدر إلهام في نبيذ لديه لون مياه الأمطار ولكنّه حارّ داخل الأضلاع كجمرة مشتعلة.

بدأ المعجبون بالمشروب الجديد بالإشارة إليه على أنّه “الكحل” بعد اكتشاف حيّان الغير مقصود.

عندما وصل الكحل إلى موانئ أوروبيّة، سمع المصطلح وأُطلق عليه “الكحول” والّذي لا يزال بالطبع مستخدمًا الى يومنا هذا.

يواصل معمل معدّي للتقطير التقليد العربيّ في تقطير النبيذ لخلق كحول مبهجة وهي عرق معدّي. نحن نستخدم نفس الأساليب والتقنيّات الرائدة الّتي ابتكرها حيّان منذ حوالي 12 قرنا بالإضافة إلى وصفة تمّ تمريرها لأجيال.

ومثل العرب القدماء في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين فإنّنا نشارك بفخر تراثنا وكحولنا مع العالم.

في صحّتكم!

error: Content is protected !!